رغم وقف إطلاق النار

عمليات النسف بـ"الخط الأصفر".. انتهاكاً للتهدئة ومساعي إسرائيلية لفرض وقائع جديدة

عمليات النسف بـ
تقارير وحوارات

غزة/ دعاء الحطاب:
أجمع مختصون فلسطينيون، أن مواصلة الاحتلال الإسرائيلي لعمليات نسف المباني والمنشآت في المناطق الواقع خارج ما يعرف بـ "الخط الأصفر"، تمثل انتهاكاً فعلياً لاتفاق وقف إطلاق النار، ومحاولة لفرض وقائع جديدة على قطاع غزة، وأن الأوضاع أن تعود كسابق عهدها.
أكد المختصون في أحاديث منفصلة لـ "الاستقلال"، أن ما يجري يأتي ضمن خطة عسكرية سياسية مدروسة لخلق بيئة ردع دائمة وإبقاء غزة تحت التهديد، وتقسيمها وإخضاعها للسيطرة الإسرائيلية.
ورغم إعلان وقف إطلاق النار في غزة منذ العاشر من أكتوبر الماضي، ودخول المرحلة الأولى من الانسحاب الإسرائيلي إلى ما يعرف بـ"الخط الأصفر"، إلا أن سياسة نسف المنازل ما زالت مستمرة بوتيرة متقطعة بالمناطق الواقعة خارج هذا الخط، في مشهد يشكل وجهاً آخر لاستمرار الحرب بصورة غير معلنة.
ويومياً تشهد مناطق في شرق غزة، وشمال القطاع، وشرق مدينتي خانيونس ورفح، تفجيرات ونسفاً لمنازل وبنية تحتية من قبل جيش الاحتلال الإسرائيلي.
ويذكر أن الخط الأصفر هو خط الانسحاب الأول المنصوص عليه في خطة الرئيس الأميركي دونالد ترامب ضمن المرحلة الأولى من اتفاق وقف إطلاق النار بين حركة حماس وإسرائيل.
ويفصل هذا الخط بين المناطق التي ما زال يوجد فيها الجيش الإسرائيلي في الجهة الشرقية منه، وبين المناطق التي يُسمح للفلسطينيين بالتحرك داخلها في المناطق الغربية منه.
ترسيخ وقائع ميدانية
الكاتب والمختص بالشأن السياسي سعيد أبو رحمه، أكد أن عمليات نسف المنشآت والمباني المتواصلة في المناطق الواقعة خارج ما يعرف بـ" الخط الأصفر"، يعد خرقاً فعلياً لاتفاق التهدئة، ويهدف إلى ترسيخ وقائع ميدانية جديدة قبل أى تسوية.
وأوضح أبو رحمة خلال حديثه لـ "الاستقلال"، أن الاحتلال الإسرائيلي يحاول استغلال حالة الهدوء لتفكيك وتدمير ما تبقي من البينة التحتية المدنية في مناطق يعتبرها حساسة استراتيجياً، خصوصاً الواقعة بالقرب من الخط الفاصل، بهدف منع إعادة أي تموضع فلسطيني لاحقاً.
وبين إن ما يجري ليس مجرد "تفجيرات محدودة" كما يروّج الاحتلال، بل هو جزء من خطة مدروسة لخلق هامش أمني رملي دائم داخل القطاع، من خلال تحويل المناطق الحدودية (الصفراء) إلى مناطق منكوبة أو غير صالحة للسكن، وهذا النمط يعكس فلسفة الردع الميداني عبر التدمير لا الاحتلال، لإبقاء القطاع دائماً في حالة تهديد وابتزاز مستمر.
ونوه إلى أن مطالب اسرائيل والوسطاء من حركة حماس بسحب جنودها من المناطق الصفراء، تأتي في ظل مساعي الاحتلال لإعادة تعريف الخطوط الحمراء بالقطاع، وتحويل الخط الأصفر إلى منطقة فصل أمني، بهدف فرض حالة ردع أحادي، ومنع المواطنين من الاقتراب من الحدود، بالإضافة إلى منح الاحتلال مساحة مناورة أمنة مستقبلاً.
وأشار إلى أن اسرائيل تسعى الى إعادة تشكيل البيئة الجغرافية والسياسية في القطاع، بما يضمن تقويض نفوذ الأهالي دون الدخول في مواجهه شاملة حالياً.
مؤشر خطير
وبدوره، يرى المختص بالشأن الإسرائيلي عماد أبو عواد، أن عمليات النسف تمثل مؤشراً خطيراً لفرض واقع جديد في غزة، ويفيد بأن الأوضاع لن تعود كسابق عهدها، وهذا ما يعتبر ترجمة عملية لتصريحات نتنياهو التي قال فيها إن "إسرائيل ستحافظ على السيطرة الأمنية في غزة".
وبين أبو عواد خلال حديثه لـ"الاستقلال"، أن الواقع الجديد الذي يسعى الاحتلال إلى فرضه ينسجم مع الرؤية الأميركية، التي تحدث عنها مسؤولون زاروا المنطقة خلال الفترة الماضية، وقالوا إن الإعمار سيبدأ بالمنطقة ما بعد الخط الأصفر، وهو مؤشر واضح إلى أن تلك الرؤية تطبق بحذافيرها من خلال عمليات النسف تمهيداً لتجريف هذه المساحات الواسعة.
وأوضح أن خطورة تواصل هذه السياسة تكمن بمساعى الاحتلال إلى تقسيم القطاع، وتجزئة المناطق التي يسيطر عليها خارج "الخط الأصفر"، بهدف فرض السيطرة الأمنية الكاملة، وتطبيق نموذج لبنان مرة أخرى في غزة.

وكشف أن الاحتلال يريد تطبيق نموذج لـ "غزة الجديدة" بالمناطق الخاضعة تحت سيطرته، تمهيداً لإيجاد بيئة طاردة في المناطق التى تسيطر عليها حركة حماس، عبر استمرار الضغط وإعاقة وصول المساعدات، وصولاً إلى الهدف الاستراتيجي والأهم المتمثل بـ"طرد السكان أو جذب جزء منهم إلى المناطق الخاضعة للسيطرة الإسرائيلية وفقاً لشروط ومعايير محدده".
كما يريد الاحتلال من خلال استمرار عمليات النسف بـ"الخط الأصفر"، لإيصال رسالة مفادها:" أن الحرب لن تنتهي إلا بسحب سلاح المقاومة الفلسطينية وتغير الحكم في القطاع". وفق أبو عواد.
خلق بيئة ردع
ومن جانبه، قال الخبير بالشأن الأمني والعسكري رامي أبو زبيدة، أن عمليات نسف بالمناطق الشرقية، تأتي ضمن خطة عسكرية سياسية مدروسة لخلق بيئة ردع دائمة وإبقاء غزة تحت التهديد.
ويضيف أبو زبيدة في تصريح له: " أن الاحتلال يدرك أن صمت المدافع لا يعني نهاية المعركة. ما يقوم به الآن هو تثبيت معادلات جديدة بالقوة: منع العودة، منع الإعمار، واستمرار الإحكام الأمني تحت عنوان الانسحاب. هذه ليست مرحلة ما بعد الحرب؛ بل مرحلة إعادة تشكيل الميدان بما يخدم السيطرة الإسرائيلية”.
ويتابع: "التفجيرات الليلية رسائل ضغط وتخويف، ومحاولة لترسيخ واقع حدودي جديد يبتلع مزيداً من الأرض. هي سياسة استنزاف نفسي ومجتمعي قبل أن تكون عملاً عسكرياً. الاحتلال يريد أن يبقى صوت الحرب حاضراً كي لا يشعر الفلسطينيون بالأمان، وحتى لا يعود المجتمع لاستعادة قدرته على الصمود والتخطيط للمستقبل".
ويحذر أبو زبيدة، من أن استمرار هذا النهج يهدف إلى خلق بيئة أمنية متوترة تُستخدم ذريعة لإعادة العمليات العسكرية بأي وقت، مشيراً إلى أن الاحتلال يهيئ الجبهة لسيناريوهات مفتوحة، ويريد أن يقول: لم ننتهِ بعد، ولن نسمح لغزة أن تلتقط أنفاسها أو تعود للحياة الطبيعية ما لم تُفرض معادلاته بالكامل.

التعليقات : 0

إضافة تعليق